Senin, 30 Januari 2012

رسالة اهل السنة والجمعة


مقدمة وتمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
          حمدا وتمجيدا لمن قال في كتابه المبين وهو أصدق القالين هو الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلاة وتسليما على سيدنا وشفيعنا ووسيلتنا إلى ربنا محمد القائل أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعلى آله وأصحابه وأتباعه صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما اختلف الليل والنهار .
          وبعد : فهذا كتاب جليل يحتوي على مقاصد مفيدة ومباحث عديدة وتنفع المسلمين المحتاجين إلى تحقيق العقائد الدينية وإلى الإجتماع بالفرقة الناجية الذين هم أهل السنة والجماعة ، رد فيه مؤلفه العقائد الصحيحة على طريقة أهل السنة والجماعة .
          ومعشر المسليمن اليوم أشد حاجة إلى ذلك ، وقد اختلط فيهم الأفاضل بالأراذل ، والتبس عليهم الحق بالباطل وتصدر للفتوى كل جاهل ، ممن يقصر ادراكه عن فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فجاء الكتاب بالإيضاح والتدقيق ، بعيدا عن التلبيس والتزويق ، ليبتعدوا عن مواقع الجهل والضلال ، ويكونوا موفقين في الأقوال والأفعال .
          وكيف لا ، وقد كان مؤلفه العلامة الشيخ محمد هاشم أشعري رحمه الله تعالى من أكابر علماء إندونسيا ومن مؤسسي جمعية نهضة العلماء ، وهي جمعية معروفة بقوة تمسكهم بسنة خاتم النبيين وشدة اعتمادهم على خطة أسلافهم الصالحين .
          فجزى الله تعالى مؤلفه خيرا كثيرا ، وغفر له لأصوله وفروعه إنه كان غفارا ، ونفعنا به وبعلومه المسلمين وجعل علمه من إحياء سنة سيد المرسلين .
          هذا ، وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
تبوئرنج 1 رجب 1418
كتبه سبط المؤلف

محمد عصام حاذق
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله شكرا على نواله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله ، وبعد ، فهذا كتاب أودعت فيه شيئا من حديث الموتى وأشراط الساعة ، وشيئا من الكلام على بيان السنة والبدعة ، وشيئا من الأحاديث بقصد النصيحة ، وإلى الله الكريم أمد أكف الإبتهال ، أن ينفع به نفسي وأمثالي من الجهال ، وأن يجعل علمي خالصا لوجهه الكريم ، إنه جواد رؤوف رحيم ، وهذا أوان الشروع في المقصود ، بعون الملك المعبود .
فصل
في بيان السنة والبدعة
          السنة بالضم والتشديد كما قال أبو البقاء في كليّاته : لغة الطريقة ولو غير مرضية ، وشرعا اسم للطريقة المرضية المسلوكة في الدين سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره ممن هو علم في الدين كالصحابة الراشدين من بعدي ، وعرفا ما واظب عليه مقتدى نبيا كان أو وليا ، والسني منسوب إلى السنة حذف التاء للنسبة .
          والبدعة كما قال الشيخ زروق في عدة المريد : شرعا احداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه وليس منه سواء كان بالصورة أو بالحقيقة لقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث بأمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . وقوله صلى الله عليه وسلم : وكل محدثة بدعة وقد بين العلماء رحمهم الله أن المعنى في الحديثين المذكورين راجع لتغيير الحكم باعتقاد ما ليس بقربة قربة لا مطلق الإحداث ، إذ قد تناولته الشريعة بأصولها فيكون راجعا إليها أو بفروعها فيكون مقيسا عليها .
          قال : وموازينها ثلاثة ، الأول أن ينظر في الأمر المحدث ، فإن شهد له معظم الشريعة وأصلها فليس ببدعة ، وإن كان مما يأبى ذلك بكل وجه فهو باطل وضلال وإن كان مما تراجعت فيه الأدلة وتناولته الشبهة واستوت فيهم الوجوه اعتبرت وجوهه ، فما ترجح من ذلك رجعت إليه .
          الميزان الثاني اعتبار قواعد الأئمة وسلف الأمة العاملين بطريق السنة ، فما خالفها بكل وجه فلا عبرة به وما وفق أصولهم فهو حق وإن اختلفوا فيه فرعا وأصلا ، فكل يتبع أصله ودليله وقد وقع من قواعدهم أن ما عمل به السلف وتابعهم الخلف لا يصح أن يكون بدعة ولا مذموما ، وما تركوه بكل وجه واضح لا يصح أن يكون سنة ولا محمودا وما أثبتوا أصله ولم يزد عنه فعله فقال مالك : بدعة ، لأنهم لم يتركوه إلا لأمر عندهم فيه ، وقال الشافعي : ليس ببدعة وإن لم يعمل به السلف لأن تركهم للعمل به وقد يكون لعذر قام بهم في الوقت أو لما هو أفضل منه ، والأحكام مأخوذة من الشارع وقد أثبته ، واختلفوا أيضا فيما لم يرد له من السنة معارض ولا شبهة فقال مالك : بدعة ، وقال الشافعي ليس ببدعة ، واستند لحديث : ما تركته لكم فهو عفو ، قال وعلى هذا اختلفهم في ضرب الإدارة ، والذكر بالجهر والجمع والدعاء ، إذ ورد في الحديث الترغيب فيه ولم يرد عن السلف فعله ، ثم كل قائل لا يكون مبتدعا عند القائل بمقابله لحكمه بما أداه إليهم اجتهاده الذي لا يجوز تعدّيه ، ولا يصح له القول ببطلان مقابله لقيام شبهته ، ولو قيل بذلك لأدى إلى تبديع الأمة كلها ، وقد عرف أن حكم الله تعالى في مجتهد الفروع ما أداه إليه اجتهاده ، سواء قلنا : المصيب واحد أو متعدد ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصلينَّ أحد العصر إلى في بني قريظة ، فأدركهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم أمرنا بالعجلة ، وصلوا في الطريق ، وقال أخرون : أمرنا بالصلاة هناك ، فأخروا ، ولم يعب صلى الله عليه وسلم على واحد منهم ، فدل ذلك على صحة العمل بما فهم من الشارع إذا لم يكن عن هوى .
          الميزان الثالث ميزان التمييز بشواهد الأحكام ، وهو تفصيلي ، ينقسم إلى أقسام الشريعة الستة ، أعني الوجوب والندب والتحريم والكراهة وخلاف الأولى والإباحة فكل ما انحاز لأصل بوجه صحيح واضح لا بعد فيه ألحق به ، وما لا فهو بدعة ، وعلى هذا الميزان جرى كثير من المحققين واعتبرها من حيث اللغة للتقريب ، والله أعلم .
          ثم قال : وأقسامها ثلاثة ، البدع الصريحة : وهي ما أثبتت من غير أصل شرعي في مقابلة ما ثبت شرعا من واجب أو سنة أو مندوب أو غيره فأماتت سنة أو أبطلت حقا ، وهذه شر البدع ، وإن كان لها ألف مستند من الأصول أو الفروع فلا عبرة به ، الثاني البدع الإضافية : وهي التي تضاف لأمر لو سلم منها لم تصح المنازعة في كونه سنة أو غير بدعة بلا خلاف أو على خلاف مما تقدم ، الثالث البدع الخلافية : وهي المبنية على أصلين يتجاذبها كل منهما ، فمن قال بهذا قال : بدعة ومن قال بمقابله قال : سنة ، كما تقدم في ضرب الإدارة وذكر الجماعة .
          وقال العلامة محمد ولي الدين الشَّبْثِيْري في شرح الأربعين النووية على قوله صلى الله عليه وسلم : من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله : ودخل في الحديث العقود الفاسدة والحكم مع الجهل والجور ونحو ذلك مما لا يوافق الشرع ، وخرج عنه ما لا يخرج عن دليل الشرع كالمسائل الإجتهادية التي ليس بينها وبين أدلتها رابط إلاّ ظن المجتهد ، وكتابة المصحف ، وتحرير المذاهب وكتب النحو والحساب ، ولذا قسم ابن عبد السلام الحوادث إلى الأحكام الخمسة ، فقال : البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة كتعلم النحو وغريب الكتاب واسنة مما يتوقف فهم االشريعة عليه ، ومحرمة كمذهب القدرية والجبرية المجسمة ، ومندوبة كاحداث الربط والمدارس ، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ، ومكروهة كزخزفة المساجد ، وتزويق المصاحف ، ومباحة كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر والتوسع في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك .
          فإذا عرفت ما ذكر تعلم أن ما قيل : أنه بدعة كاتخاذ السبحة والتلفظ بالنية ، والتهليل عند التصدق عن الميت مع عدم المانع عنه ، وزيارة القبور ونحو ذلك ليس ببدعة ، وإن ما أحدث من أخذ أموال الناس بالأسواق الليلية واللعب بالكورة وغير ذلك من شر البدع .
فصل
في بيان تمسك أهل جاوي بمذهب أهل السنة والجماعة
وبيان ابتداء ظهور البدع وانتشارها في أرض جاوي
وبيان أنواع المبتدعين الموجودين في هذا الزمان .
          قد كان مسلمو الأقطار الجاوية في الأزمان السالفة الخالية متفقى الآراء والمذهب ، متحدي المأخذ والمشرب ، فكلهم في الفقه على المذهب النفيس مذهب الإمام محمد بن إدريس ، وفي أصول الدين على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري ، وفي التصوف على مذهب الإمام الغزالي والإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهم أجمعين .
          ثم أنه حدث في عام ألف وثلاثمائة وثلاثين أحزاب متنوعة ، وآراء متدافعة ، وأقوال متضاربة ورجال متجاذبة ، فمنهم سلفيون قائمون على ما عليه أسلافهم من التمذهب بالمذهب المعين ، والتمسك بالكتب المعتبرة المتداولة ، ومحبة أهل البيت والأولياء والصالحين والتبرك بهم أحياء وأمواتا وزيارة القبور وتلقيين الميت والصجقة عنه واعتقاد الشفاعة ونفع الدعاء والتوسل وغير ذلك .
          ومنهم فرقة يتبعون رأي محمد عبده ورشيد رضا ، ويأخذون من بدعة محمد بن عبد الوهاب النجدي وأحمد بن تيمية وتلميدية ابن القيم وابن عبد الهادي ، فحرموا ما أجمع المسلمون على يدبه وهو السفر لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخالفوهم فيما ذكر وغيره ، قال ابن تيمية في فتاويه : وإذا سافر لاعتقاده أنها أي زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم طاعة ، كان ذلك محرما بإجماع المسلمين ، فصار التحريم من الأمر المقطوع به ، قال العلامة الشيخ محمد بخيت الحنفي المطيعي في رسالته المسماة تطهير الفؤاد من دنس الإعتقاد : وهذا الفريق قد أبتلى المسلمون بكثر منهم سلفا وخلفا ، فكانوا وصمة وثُلمة في المسلمين وعضوا فاسدا يجب قطعه حتى لا يعدي الباقي ، فهو كالمجذوم يجب الفرار منه ، فإنهم فريق يلعبون بدينهم يذمون العلماء سلفا وخلفا ، ويقولون : أنهم غير معصومين فلا ينبغي تقليدهم ، لا فرق في ذلك بين الإحياء والأموات ، ويطعنون عليهم ويلقون الشبهات ، ويذرونها في عيون بصائر الضعفاء لتعمي أبصارهم عن عيوب هؤلاء ، يقصدون بذلك إلقاء العداوة والبغضاء بحلولهم الجو ويسعون في الأرض فسادا ، يقولون على الله الكذب وهم يعلمون يزعمون أنهم قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حاضون الناس على اتباع الشرع واجتناب البدع ، والله يشهد أنهم لكاذبون ، قلت : ولعل وجهه أنهم من أهل البدع والأهواء ، قال القاضي عياض في الشفا : وكان معظم فسادهم على الدين ، وقد يدخل في أمور الدنيا بما يلقون بين المسلمين من العداوة الدينية التي تسري لدنياهم ، قال العلامة مُلاَّ علِي القاري في شرحه : وقد حرم الله تعالى الخمر والميسر لهذه العلة ، كما قال تعالى (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) .
          ومنهم رافضيون يسبون سيدنا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، ويكرهون الصحابة رضي الله عنهم ، ويبالغون هوى سيدنا علي وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين ، قال السيد محمد في شرح القاموس : وبعضهم يرتقي إلى الكفر والزندقة أعاذنا الله والمسلمين منها ، قال القاضي عياض في الشفا : عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهَ اللهَ في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي ، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، وقال صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي ، فإنه يجئ قوم في أخر الزمان يسبون أصحابي ، فلا تصلوا عليهم ، ولا تصلوا معهم ولا تناكحوهم ولا تجالسوهم وإن مرضوا فلا تعودوهم وعنه صلى الله عليه وسلم : من سب أصحابي فاضربوه وقد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن سبهم وآذاهم يؤذيه ، وآذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام . فقال : لا تؤذوني في أصحابي وم آذاهم فقد آذاني وقال لا تؤذوني في عائشة ، وقال في فاطمة رضي الله عنها : بضعة مني يؤذيني ما آذاها .
          ومنهم إباحيون يقولون : أن العبد إذا بلغ غاية المحبة وصفا قبه من الغفلة واختار الإيمان على الكفر والكفران سقط عنه الأمر والنهي ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر ، وبعضهم يقول : أنه تسقط عنه العبادات الظاهرة وتكون عبادته التفكر وتحسين الأخلاق الباطنة ، قال السيد محمد في شرح الإحياء : وهذا كفر وزندقة وضلالة ولكن الإباحيون موجودون من قديم الزمان حهال ضلال ليس لهم رأس يعلم العلم الشرعي كما ينبغي .
          ومنهم من قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص تخرج من بدن الآخر من جنسه أو غيره وزعم هؤلاء أن تعذيبها وتنعيمها فيها بحسب زكائها وخبثها ، قال الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفا : وقد كفرهم أهل الشرع لما فيه من تكذيب الله ورسوله وكتبه .
          ومنهم من قال بالحلول والإتحاد ، وهم جهلة المتصوفة ، يقولون : أنه تعالى الوجود المطلق ، وأن عيره لا يتصف بالوجود أصلا حتى إذا قالوا : الإنسان موجود ، فمعناه أن له تعلقا بالوجود المطلق وهو الله تعالى ، قال العلامة الأمير في حاشية عبد السلام : وهو كفر صريح ولا حلول ولا اتحاد فإن وقع من أكابر الأولياء ما يوهم ذلك أول بما يناسبه كما يقع منهم في وحدة الوجود ، كقول بعضهم : ما في الجبة إلا الله ، أراد أن ما في الجبة بل والكون كله لا وجود له إلا بالله ، وقال في لوائح الأنوار : من كمال العرفان شهود عبد وربّ وكل عارف نفى شهود العبد في وقت ما فليس هو بعارف ، وإنما هو في 1لك الوقت صاحب حال وصاحب الحال سكران لا تحقيق عنده فظهر مما ذكر أن المراد بوحدة الوجود والإتحاد في مذهبالقوم ليس على الظاهر المتوهم ، وإذا كانت عبدة الأوثان يقولون : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، ولم يقولوا : هم الله ، كيف يظن ذلك بالعارفين ، وإنما المراد قول العارف :
وعلمك أن كل الأمر أمري * هو المعنى المسمى باتحاد
ولا بد عند كل مسلم من حظ في هذا المقام وإن تفاوتوا .
          وإنما أطلت الكلام على هذه الطائفة لأن ضررهم على المسلمين أكثر من ضرر جميع الكفرة والمبتدعين ، فأن كثيرا من الناس يعظمونهم ويسمعون كلامهم مع حهلهم بأساليب الكلام العربي ، وقد روى الأصمعي عن الخليل عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : أكثر من تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية وهم باعتقادهم الحلول والاتحاد كفرة .
          قال القاضي عياض في الشفا : أن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة غير الله أو مع الله فهي كفر كمقالة الدهرية والنصارى والمجوسي والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله ، وكذلك أصحاب الحلول والتناسخ ، وكذلك من اعترف بإلهية الله ووحدانيته ولكنه اعتقد أنه غير حي أو غير قديم أو أنه محدث أو مصور أو ادعى له ولدا أو صاحبة أو أنه متولد من شيء أو كائن عنه ، أو أن معه في الأزل شيئا قديما غيره ، أو أن ثم صانعا للعالم سواه أو مدبرا غيره ، فذلك كله كفر بإجماع المسلمين ، وكذلك من ادعى مجالسة الله تعالى والعروج إليه ومكالمته أو حلوله في أحد الأسخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى ، وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالم أو بقائه أو قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد ي الأسخاص وتعذيبها وتنعيمها بحسب زكائها وخبثها ، وكذلك من اعترف بالإلهية والوحدانية ولكنه جحد النبوة من أصلها عموما أو نبوة نبينا خصوصا أو أحدا من الأنبياء الذين نص الله عليهم بعد علمه بذلك فهو كافر بلا ريب ، وكذلك من قال أن نبينا ليس الذي كان بمكة والحجاز ، وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعده ، أو من ادعى النبوة لنفسه ، وكذلك من ادعى غلاة المتصوفة أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة ، قال في الأنوار : ويقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير الصحابة وكل فاعل فعلا لا يصدر إلا من كافر كالسجود للصليب أو النار أو المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها ، وكذا من أنكر مكة أو الكعبة أو المسجد الحرام إن كان ممن يظن به علم ذلك وممن خالط المسلمين .
فصل
في بيان خطة السلف الصالح ، وبيان المراد بالسواد الأعظم في هذا الحين ،
وبيان أهمية الاعتماد بأحد المذاهب الأربعة .
          إذا فهمت ما ذكر علمت أن الحق مع السلفيين الذين كانوا على خطة السلف الصالح ، فإنهم السواد الأعظم ، وهم الموافقون علماء الحرمين الشريفين وعلماء الأزهر الشريف الذين هم قدوة رهط أهل الحق ، وفيهم علماء لام يمكن استقصاء جميعهم مع انتشارهم في الأقطار والآفاق كما لا يمكن إحصاء نجوم السماء ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله على الجماعة ، من شذ شذ إلى النار . رواه الترمذي زاد ابن ماجه : فإذا وقع الاختلاف فعليك بالسواد الأعظم مع الحق وأهله . وفي الجامع الصغير : إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة .
          وأكثرهم أهل المذاهب الأربعة ، فكان الإمام البخاري شافعيا ، أخذ عن الخميدي والزعفراني والكرابيسي ، وكذلك ابن خزيمة والنسائي ، وكان الإمام الجنيد ثوريا والشبلي مالكيا والمحاسبي شافعيا والجريري حنفيا والجلاني حنبليا والشاذلي مالكيا ، فالتقييد بمذهب معين أجمع للحقيقة وأقرب للتبصر وادعى للتحقيق وأسهل تناولا ، وعلى هذا درّج الأسلاف الصالحون والشيوخ الماضون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
          فنحن نحض إخواننا عوام المسلمين ، أن يتقوا الله حق تقاته وأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون وأن يصلحوا ذات البين منهم وأن يصلوا الأرحام وأن يحسنوا إلى الجيران والأقارب والإخوان وأن يعرفوا حق الأكابر وأن يرحموا الضعفاء والأصاغر وننهاهم عن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد والاتراق والتلون في الدين ونحثهم أن يكونا إخوانا وعلى الخير أعوانا وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وأن لا يتفرقوا وأن يتبعوا الكتاب والسنة وما كان عليه علماء الأمة كالإمام أبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، فهم الذين قد انعقد الإجماع على امتناع الخروج عن مذاهبهم وأن يعرضوا عما أحدث من الجمعية المخالفة لما عليه الأسلاف الصالحون ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شذ شذ إلى النار ، وأن يكونوا مع الجماعة التي على طريقة الأسلاف الصالحين ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن ، السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة ، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الإثنين أبعد ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة .
فصل
في بيان وجوب التقليد لمن ليس له أهلية الإجتهاد
          يجب عند جمهور العلماء المحققين على كل من ليس له أهلية الإجتهاد المطلق وإن كان قد حصل بعض العلوم المعتبرة في الإجتهاد تقليد قول المجتهدين والأخذ بفتواهم ليخرج عن عهدة التكليف بتقليد أيهم شاء لقوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فأوجب السؤال على من لم يعلم ذلك وذلك تقليد لعالم وهو عام لك المخاطبين ويجب أن يكون عاما في السؤال عن كل ما لا يعلم للإجماع على أن العامة لم تزل في زمن الصحابة والتابعين وكل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين ويتبعونهم في الأحكام الشرعية والعلماء ، فإنهم يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل ولا ينهونهم عن ذلك من غير نكير ، فكان إجماعا على اتباع العامي للمجتهد ، ولأن فهم العامي من الكتاب والسنة ساقط عن حيز الإعتبار ، إن لم يوافق أفهام علماء أهل الحق الأكابر الأخيار ، فإن كل مبتدع وضال يفهم أحكامه الباطلة من الكتاب والسنة ويأخذ منهما والحال أنه لا يغني من الحق شيئا .
          ولا يجب على العامي التزام مذهب في كل حادثة ، ولو التزم مذهبا معينا كمذهب الشافعي رحمه الله تعالى لا يجب عليه الإستمرار بل يجوز له الانتقال إلى مذهب غيره ، والعامي الذي لم يكن له نوع نظر واستدلال ولم يقرأ كتابا في فروع المذهب إذا قال : أنا شافعي ، لم يعتبر هذا كذلك بمجرد القول ، وقيل : إذا التزم العامي مذهبا معينا يلزمه الاستمرار عليه لأنه اعتقد أن المذهب الذ انتسب إليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده .
          وللمقلد تقليد غير إمامه في حادثة فله أن يقلد إماما في صلاة الظهر مثلا ويقلد إماما أخر في صلاة العصر ، والتقليد بعد العمل جائز ، فلو صلى شافعي ظن صحة صلاته على مذهبه ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده ويكتفي بتلك الصلاة .
فصل
في لزوم الاحتياط في أخذ الدين وأخذ العلم ،
والانذار عن فتنة أهل البدع والمنافقين والأئمة المضلين .
          يلزم الإحتياط في أخذ العلم ، فلا يأخذ عن غير أهله ، روى ابن عساكر عن الإمام مالك رضي الله عنه : لا تحمل العلم عن أهل البدع ، ولا تحمله عمن لا يعرف بالطلب ، ولا عمن يكذب في حديث الناس وإن كان لا يكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
          وروى ابن سيرين رحمه الله : هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، وروى الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : العلم دين والصلاة دين فانظروا عمن تأخذون هذا العلم ، وكيف تصلون هذه الصلاة فإنكم تسألون يوم القيامة ، فلا تووه إلا عمن تحققت أهليته بأن يكون من العدول الثقات المتقنين .
          وروى مسلم  في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيكون في أخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم . وفي صحيح مسلم أيضا أن أبا هريرة رضي لله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون في أخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم لا يصلونكم ولا يفتنونكم .
          وفي صحيح مسلم أيضا عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : إن ي البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان بن داود يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا ، قال النووي رحمه الله تعالى : معناه أن تقرأ شيئا ليس بقرآن وتقول : إنه قرآن لتغربه عوام الناس .
          وروى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه : إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ، وروى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه : إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ، قال المناوي رحمه الله تعالى : أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل ، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها وأبهة يتعزز بها ، يدعو الناس إلى الله تعالى ويفر هو منه ، وروى الطبراني عن علي رضي الله عنه : إني لا أتخوف من أمتي مؤمنا ولا مشركا ، فأما المرمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره ولكن أتخوف عليكم منافقا عالم اللسان ، يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون . وعن زياد بن حدير رحمه الله تعالى قال : قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا ، قال : يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضلين .
فصل
في ذكر الأحاديث والآثار الواردات ي رفع العلم ونزول الجهل
وإنذار النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بأن الأخر شر
وأن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء
وأن الدين إنما يبقى عند خاصة من الناس
          قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري : يقبض الله العلماء ويقبض العلم معهم ، فتنشأ أحداث ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير ويكون الشيخ فيهم مستضعفا .
          وروى أبو أمامة رضي الله عنه لما كان حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل آدم فقال : يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض وقبل أن يرفع من الأرض ، ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته ، فسأله أعرابي ، فقال : يا رسول الله كيف يرفع العلم منا ، وبين أظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا ؟ فرفع إليه رأسه وهو مغضب ، فقال : وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف ولم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به أنبياؤهم .
          وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأكابرهم ، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا .
          وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، فقيل : يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا هم .
          وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا في حجر ضب تبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ .
          وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول هذه الأمة خيارهم وأخرها شرارهم مختلفين متفرقين ، فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلتأته ميتته وهو يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه .
          وعن هشام بن عروة رحمه اله تعالى أنه سمع أباه يقول : لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم ، فاحدثوا فيهم القول بالرأي وأضلوا بني إسرائيل ، قال : وكان أبي يقول : السنن السنن ، فإن السنن قوام الدين . وروى ابن وهب عن ابن شهاب الزهري رحمه الله تعالى قال : إن اليهود والنصارى إنما انسلخوا من العمل الذي كان بأيديهم حين استقلوا الرأي وأخذوا فيه .
          وروى البخاري في صحيحه عن عروة رضي الله عنه قال : حج علينا عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، فسمعته يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله لا ينزع العلم بعد إن أعطاهموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ، فحدثت بها عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أن عبد الله بن عمرو حج بعد ، فقالت : يا بن أختي انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الذي حدثتني منه ، فجئته فسألته ، فحدثني به كنحو ما حدثني ، فأتيت عائشة فأخبرتها ، فقالت : والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو .
          وفي فتح الباري عن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله ، أما إني لا أعين أميرا خيرا من أمير ولا عاما خيرا من عام ، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا ، ثم يجئ قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه .
فصل
في بيان إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة
          قال الله سبحانه وتعالى (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم) .
          وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا .
          وأخرج مسلم من رواية عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في حديث طويل ، قال فيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا .
          قال مجاهد رحمه الله تعالى في تفسير الأية المذكروة : حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا .
          وروى الترمذي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحي سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا .
          وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد .
فصل
في بيان افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ثلاث وسبعين فرقة
وبيان أصول الفرق الضالة ، وبيان الفرقة الناجية
وهم أهل السنة والجماعة
          وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : هم الذين على الذي أنا عليه وأصحابي .
          قال الشهاب الخفاجي رحمه الله تعالى في نسيم الرياض : والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة .
          وفي حاشية الشنواني على مختصر ابن أبي جمرة : هم أبو الحسن الأشعري وجماعته أهل السنة وأئمة العلماء ، لأن الله تعالى جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في دينهم وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة .
          قال الإمام أبو منصور بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث : قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام ، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد ، وفي تقدير الخير والشر وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة وما جرى مجرى هذه الأبواب ، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضا بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الإختلاف .
          وقد حدث في أخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر وأنس ونحوهم رضي الله عنهم أجمعين ، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئا شيئا إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنين وسبعين فرقة ، والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية .
          فإن قيل : هذه الفرق معروفة ؟ فالجواب : إنّا نعرف الافتراق وأصول الفرق وإن كل طائفة من الفرق انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها .
          وأصول الفرق الحرورية والقدرية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية ، وقد قال بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى : أصول الفرق الضالة هذه الست وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة فصارت إلى اثنتين وسبعين فرقة ، قال ابن رسلان رحمه الله تعالى : قيل : أن تفصيلها عشرون منهم روافض وعشرون منهم خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وفرقة نجارية وهم أكثر من عشر فرق ولكن يعدون واحدة وفرقة حرورية وفرقة جهمية وثلاث فرق كرامية ، فهذه اثنتان وسبعون فرقة .
فصل
في ذكر أمارات اقتراب الساعة
          وهي كثيرة ، منها عدم الساعد والمعاون على الدين ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : يأتي  على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الحمر ، رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
ومنها يكون في أخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة ، رواه أبو نعيم في الحلية والحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه أيضا .
ومنها لا تقوم الساعة حتى يتباهي الناس في المساجد ، رواه الإما أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أنس رضي الله عنه .
ومنها قطيعة الرحم ، وتخوين الأمين وائتمان الخائن ، روراه الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أيضا .
ومنها انتفاخ الأخلة ، وأن يرى الهلال قبلا بفتحتين أي سلعة ما يطلع فيقال لليلتين ، رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه .
ومنها يذهب الصالحون الأول الأول ، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر ، رواه الإمام أحمد والبخاري .
ومنها لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا ، رواه أبو نعيم في الحلية .
ومنها أن يكون الولد غيظا والمطر قيظا وتفيض اللئام فيضا ، رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه .
ومنها لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها ، وكان زعيم القوم أرذلهم وساد القبيلة فاسقوهم ، رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومنها فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام وفشو القلم وظهور الشهادات بالزور ، رواه الإمام أحمد والبخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وفشو القلم كناية عن كثرة الكتبة وقلة العلماء ، يعني يكتفون بتعلم الخط ليخالطوا الحكام .
ومنها أن يتخذ الأمانة مغنما والزكاة مغرما ، ويتعلم العلم لغير دين ، رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومنها إذا أطاع الرجل امرأته وعق أمه ، وأدنى صديقه وأقصى أباه وارتفعت الأصوات في المساجد ، رواه الترمذي عن أبي هريرة أيضا .
ومنها إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن أخر هذه الأمة أولها ، رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا .
ومنها أن إما الدجال سنون خدعات يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الرويبضة ، قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافة يتكلم في أمر العامة ، رواه الإمام أحمد والبزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
ومنها لا تقوم الساعة حتى تروا أمورا عظاما لم تحدثوا بها أنفسكم يتفاقم شأنها في أنفسكم وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا وحتى تروا الجبال تزول عن أماكنها ، رواه الإمام أحمد والطبراني عن سمرة ابن جندب رضي الله عنه
ومنهاإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة ، رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومنها لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ، رواه مسلم عن أبي هريرة أيضا .
ومنها لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم في الطرق ، رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما .
ومنها لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول : لو وارينا وراء هذا الحائط ، رواه أبو يعلى عن أبي هريرة .
ومنها لا تقوم الساعة حتى توجد المرأة نهارا تنكح أي تجامع وسط الطريق ، لا ينكر ذلك أحد ، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول : لو نحيتها عن الطريق قليلا ، فذلك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم ، رواه الحاكم أبو عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومنها ما روي الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه : وحتى تمر المرأة على القوم فيقوم أحدهم فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة ، فيقول بعضهم : ألا واريتها وراء الحائط ، فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم .
ومنها لا تقوم الساعة حتى تتناكر القلوب وتختلف الأقاويل ويختلف الأخوان من الأب والأم في الدين ، رواه الديلمي عن حذيفة رضي الله عنه .
ومنها لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد قناطر ، فلا يسجد لله فيها ، وحتى يبعث الغلام الشيخ بريدا بين الأفقين ، وحتى يبلغ التاجر بين الأفقين فلا يجد ربحا ، رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وهو كناية عن عدم الرغبة في الصلاة وعدم توقير الصغير الكبير وعدم البركة في التجارة لغلبة الكذب والغش على التجار .
ومنها يأتي على الناس زمان همتهم بطونهم وشرفهم متاعهم وقبلتهم نساؤهم ودينهم دراهمهم ودنانيرهم ، أولئك شر الخليق لا خلاق لهم عند الله .
ومنها لا تذهب الأيام والليالي حتى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه الأمة كما يخلق الثياب ، ويكون ما سواه أعجب لهم ، ويكون أمرهم طمعا كله لا يخالطه خوف أن قصر في حق الله تعالى ، منته نفسه الأماني وأن يجاوز إلى ما نهى الله عنه قال : أرجو أن يتجاوز الله عني .
ومنها يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ويقولون : ادركنان آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها ، رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .
ومنها لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله .
ومنها لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ، ويخون الأمين ويؤتمن الخائن تهلك الوعول وتظهر التحوت ، قالوا : يا رسول الله وما التحوت والوعول ؟ قال : الوعول وجوه الناس وأشرافهم والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس ، رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومنها لا تقوم الساعة حتى تخرج سبعون كذابا ، قلت : وما أيتهم ؟ قال : يأتونكم بسنة لم تكونوا عليها يغيرون بها سنتكم فإذا رأيتموهم فاجتنبوهم ، رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
ومنها إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسن واختلفت القلوب وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم ، رواه الإمام أحمد وعبد بن حميد عن سليمان الفارسي رضي الله عنه .
ومنها إذا الناس أظهروا العلم وضيعوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا ي الأرحام ، لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم ، رواه ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله عنه .
قال البيهقي وغيرهم رحمهم الله تعالى : الأمارات منها صغار وقد مضى أكثرها ومنهاكبار ستأتي .
ولنختم الأحاديث المذكورات بما رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة ابن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر ، فقال : ما تذاكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وأخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم .
أما الدخان ففي صحيح مسلم عن هشام بن عروة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما بين خلق أدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال ، معناه أكبر فتنة ، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدحال فقال : أنه أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية ، وفيهما عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ، ألا إنه أعور وإن ربك ليس بأعور مكتب بين عينيه كافر .
ورو البغوي رحمه الله تعالى بسنده عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها أن من أكبر فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول : أرأييت إن أحييت لك إبلك ، ألست تعلم إني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا وأعظمه أسنمة ، ويأتي الرجل قد مات أخوة ومات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت أخال وأباك ألست تعلم أني ربك ؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو أخيه وأبيه .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته ، وأنه قال لي : ما يضرك ، قلت : إنهم يقولون : أن معه جبل خبز ونهر ماء ، قال : هو أهون على الله من ذلك ، وروى الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، يخرج بأرض المشرق يقال لهاخرسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة ، وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألأفا عليهم الطيالسة .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قال القاضي عياض : هذه الأحاديث التي وردت ي قصة الدجال حجة للمذهب الحق في صحة وجوده وإنه شخص بعينه ابتلى الله تعالى عباده ، فاقدره على أشياء من المقدورات من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره واتباع كنوز الأرض وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت وتقع كل ذلك بقدرة الله وفتنته ، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك ، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى بن مريم عليه السلام يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء خلافا لمن أنكره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة .
وأما الدابة فقد ذكر العلامة الخازن في تفسيره بإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، قلت : يا رسول الله من أين تخرج ؟ قال : من أعظم المساجد حرمة على الله ، فبينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون ، إذ تضطرب الأرض وينشق الصفا مما يلي المسعى وتخرج الدابة من الصفا أول ما يخرج منها ، رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب ، تسم الناس مؤمنا وكافرا ، فأما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب درّيّ وتكتب بين عينيه مؤمن ، وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : تخرج الدابة من شعب جياد فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض .
وأما طلوع الشمس من مغربها ففي كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس : أتدري أين تذهب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها ، ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ، ذلك تقدير العزيز العليم) قال في فتح الباري : يحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة أو تسجد بصورة الحال ، فيكون كناية عن الزيادة في الإنقياد والخضوع في ذلك الحين ، وقال النووي رحمه الله تعالى : وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها ، والله أعلم .
وأما نزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات عداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه ي طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا ، فقال : ما شأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال ذات غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل ، فقال : غير الدجال أخوفني عليكم أن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وأن يخرج ولست يكم امرؤ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم أنه شاب قطط عينه عنبة طافية كأني أشبهه بعبد العزي بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، أنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا ، قلنا : يا رسول الله وما لبثه في الأرض ؟ قال أربعون يوما ، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم ، قلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ، قلنا : يا رسول الله وما أسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذري وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهمويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسب الخحل ، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم عليه السلام ، فينزل عند المنارة البيضء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله ، ثم يأتي عيسى بن مريم إلى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام : إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر أخرهم فيقولون : لقد كان بها مرة ماء ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم ، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون ي الأرضموضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الله الأرض حتى يتركها كالزلفة ، ثم يقال للأرض : انبتى ثمرتك وردى بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفى الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفى الفخد من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة.
وأما النار الخارجة من اليمن فهي الحاشرة للناس كما صرح به في الحديث ، قال العلماء : وأنواع الحشر أربعة اثنان في الدنيا ، أحدهما اجلاؤه عليه الصلاة والسلام اليهود من المدينة إلى الشام ، وثانيهما سوق النار قرب قيام الساعة إلى المحشر الناس وغيرهم من كل حي قبل النفخة الأولى ، وهؤلاء الناس أحياء الكفار ، وأما المؤمن فيموتون قبل ذلك بريح لينة ، واثنان في الأخرة ، أحدهما جمعهم إلى الموقف بعد إحيائهم ، والثاني صرفهم من الموقف إلى الجنة أو النار .
فصل
في ذكر حديث الموتى في السماع والكلام ومعرفته بمن يغسله
ومن يحمله ومن يكفّنه ومن يدليه في قبره ،
والإدراك والحياة وعود الروح إلى الجسد
أما السماع والكلام فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب عنه أصحابه حتى أنه سمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، فيقال : انظر إلى مقعدك من النار ، أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فرآهما جميعا ، وأما الكافر أو المنافق فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين .
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدّموني ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعه صعق . وروى البخاري أيضا عن الليث بن سعد فذكر بمثله وقال : قالت لأهله : يا ويلها ، وقال : ولو سمع الإنسان لصعق .
وروى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت يعرف من يغسله ويحمله ويكفّنه ومن يدليه في حفرته ، وكان سعيد بن جبير رضي الله عنه يقول : إن الأموات لتأتيهم أخبار الأحياء ، فما من أحد له حميم أي قريب إلا ويأتيه خبر أقاربه ، فإن كان خيرا سر به وفرح وإن كان شرا عبس له وحزن ، وكان ابن منبه رحمه الله تعالى يقول : إن الله تعالى بنى دارا في السماء السابعة يقال لها البيضاء ، تجتمع فيها أرواح المؤمنين ، فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواحفيسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب أهله إذا قدم من سفر عليهم ، رواه أبو نعيم في الحلية .
وأما الإدراك والحياة وعود الروح إلى الجسد فقد ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه حديث طويل جامع لأحكام الموتى ، وفيه التصريح بعود الروح إلى الجسد ، قال البراء : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير ، فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره وينظر إلى الأرض ، ثم قال : أعوذ بالله من عذاب القبر ، قالها مرارا ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في قبل من الأخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فجلس عند رأسيه فيقول : أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج نفسه وتسيل كما يسيل قطر السقاء وتنزل الملائكة من الجنة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم أكفان من أكفان الجنة وجنوط من حنوطها ، فيجلسون منه مد البصر ، فغذا قبضها الملك لم يدعوها في يده طرفة عين ، فذلك قوله تعالى عز وجل (توفته رسلنا وهم لا يفرطون) ، قال : فتخرج نفسه كأطيب ريح وجدت ، فتعرج به الملائكة فلا يأتون على جند ، وفي رواية : فلا يزال يمر بالأمم السابقة والقرون الخالية كأمثال الجراد المنتشر بين السماء والأرض إلا قالوا : ما هذه الروح ؟ فيقال : فلان بأحب أسمائه حتى ينتهوا به إلى باب السماء الدنيا ، فتفتح له ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ، فيقول : اكتبوا كتابه في عليين ، وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون منها خلقناهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى ، فترد إلى الأرض وتعاد روحه إلى جسده ، فيأتيه ملكان شديدا الإنتهار ، فينتهرانه ويجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلام ، فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : جاءنا بالبينات من ربنافآمنت به وصدقت ، قال : وذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الأخرة) قال : وينادي مناد من السماء : قد صدق عبدي فالبسوه من الجنة ويفرش منها ويرى منزله ويفسحله مد بصره ويمثل له عمله ي صورة رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول : أبشر بما أعد الله عز وجل لك ، أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم ، فيقول : بشرك الله بخير ، من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي جاءنا بخير ، فيقول : هذا يومك الذ كنت توعد والأمر الذي كنت توعد ، وأنا عملك الصالح ، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيأ عن معصية الله فجزاك الله خيرا فيقول : يا رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي ، قال : وإن كان فاجرا فإذا كان في قبل من الأخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فجلس عند رأسه ، فيقول : أخرجي أيتها النفس الخبيثة ، أبشري بسخط الله وغضبه ، فتنزل ملائكة سود الوجوه معهم مسوح ، فإذا قبضها الملك قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين ، قال : فتفرق في جسده فيستخرحها تقطع معها العروق والعصب كالسفود الكبير الشعب في الصوف المبلول ، فتؤخذ من الملك فتخرج كأنتن ريح وجدت ، فلا تمر على جند بين السماء والأرض إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : هذا فلان بأسواء أسمائه حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ، فلا يفتح له ، فيقول : ردوه إلى الأرض ، إني وعدتهم أن منها خلقناهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى ، قال : فيرمى به من السماء ، قال : فتلا هذه الأية (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء) الأية ، ويعاد إلى الأرض وتعاد فيه روحه ويأتيه ملكان شديا الإنتهار فينتهرانه ويجلسانه ، فيقول : من ربك ؟ وما دينك ؟ ، فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون ذلك ، فيقول : لا دريت فييضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه ومنتن الريح قبيح الثياب ، فيقول : أبشر بعذاب من الله وسخطه ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذ جاء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، والله ماعلمتك إلا كنت بطيأ عن طاعة الله سريعا إلى معصية الله ، فيقيض له ملك أصم أبكم معه مرزبة لو ضربت به جبل صار ترابا أو رميما ، فييضربه بها ضربة يسمعها الخلائق إلا الثقلين ، ثم تعاد فيه الروح فيضربه ضربة أخرى ، وهذا الحديث أخرجه جماعة من الأئمة في مسانيدهم ، منهم الإمام أحمد .
وقال إمام الحرمين والفقيه أبو بكر بن العربي والإمام سيف الدين الآمدي : اتفق سلف الأمة قبل ظهرور المخالف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومسألة الملكين لهم وإثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين ، وقوله تعالى (وأحييتنا اثنتين) أي حياة المسألة في القبر وحياة الحشر ، لأنهما حياتان عرفوا الله بهما والحياة الأولى في الدنيا لم يعرفوا الله بها .
ثم اعلم أن ما تضمنه هذا الحديث من ملك الموت ومنك ونكير وغيره منازل الأخرة من الأمور المتشابهات وصفا ، لا طريق لأحد في إدراك شيء من أوصافها بالعقل ، فيكون العبد به مبتلى بنفس الإعتقاد لا غير ، وإن أهل السنة اتفقوا على أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين ، أحدهما ما تسبب إليه الميت في حياته ، والثاني دعاء السلمين واستغفارهم له والصدقة والحج عنه ، واختلفوا في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر ، فذهب جمهور السلف على وصولها وذهب بعض أهل البدع إلى عدم وصول شيء البتة ، لا الدعاء ولا غيره ، وقوله مردود بالكتاب والسنة ، واستدلاله بقوله تعالى (وان ليس للإنسان إلا ما سعى) مدفوع بأنه سبحانه وتعالى لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره ، وإنما نفى ملك غير سعيه ، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه ، فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء إن يبقيه لنفسه ، وهو سبحانه وتعالى لم يقل إنه لا ينتفع إلا بما سعى .
وهذا أخر الكتاب ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ، وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين .




Tidak ada komentar:

Posting Komentar